مقالات وأراء

بين الكفاءة والولاء، لوزير الأوقاف

 إذا اجتمعت الكفاءة مع الولاء للوطن ، والولاء للعمل ، والولاء للمهنة ، والولاء للمكان الذي يعمل به الإنسان ، فذاك أمل منشود ، أما إذا كان الولاء لشخص ما ، أو جماعة ما ، أو حزب ما ، هو مناط الاختيار والتقديم على حساب الأمانة أو الكفاية أو الكفاءة فهذا أمر جد خطير ، سواء في مقاييس الشرع، أم في مقاييس الوطنية ، وهما مرتبطان لا ينفكان ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” مَنِ اسْتَعْمَلَ رَجُلاَ عَلَى جَمَاعَةٍ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُ ، فَقَدْ خَانَ اللَّهَ ، وَرَسُولَهُ ، وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ  ” ، على أن الولاية أيا كان شأنها كبيرًا أو صغيرًا تتطلب الأمانة والكفاءة معا ، يقول الحق سبحانه على لسان يوسف (عليه السلام) :  ” قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ” ، ويقول سبحانه على لسان ابنة شعيب (عليه السلام) في شأن موسى (عليه السلام) :” يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ” ، فلا الأمانة وحدها تجدي ولا العلم وحده يغني .

      ولما سأل أبو ذر الغفاري النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يوليه قال له النبي (صلى الله عليه وسلم) : يا أبا ذر إنك ضعيف ” وإنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خزي وندامة ، إلا من أخذها بحقها ، وأدى الذي عليه فيها” ، وقد ولَّى النبي (صلى الله عليه وسلم) كلاًّ من خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهما مع حداثة إسلامهم قيادة الجيش وفيه كبار الصحابة والسابقون في الإسلام ، لما كان يتمتعون به من كفاءة وكفاية وخبرة بفنون الحرب وضروب القتال والنزال .

      أما تقديم الولاءات الخاصة فيعيدنا إلى العام الأسود ، عام الأهل والعشير , وتقديم الولاء لمكتب الإرشاد على سائر الكفاءات ، كما يردنا إلى عقود ساد فيها الفساد الإداري الذي ما زلنا نعاني من آثاره ، حيث كان التقديم للوصوليين ولبعض المنافقين والمتزلفين ، ومن يحسنون طرق الرشوة والمحسوبية والواسطة ، فنقدم غير الأكفاء على الأكفاء ، فكان الظلم والإحباط ، وأصبح هَمُّ غير الأكفاء أن يستروا عوراتهم بإبعاد الأكفاء عن طريقهم من جهة ، وأن يعملوا على استرداد ما دفعوه من أجل الوصول إلى ما وصلوا إليه أضعافا مضاعفة من جهة أخرى , ومن هنا تأتي حرب سيادة الرئيس على الفساد والمفسدين , وحرصه الشديد على اجتثاث الفساد من جذوره .

      ولا شك أن هؤلاء الذين يتسلقون على أكتاف الأكفاء بطرق وأساليب غير شرعية ولا قانونية ، لا يعملون إلا على إرضاء من فوقهم ، حتى لوكان ذلك على حساب دينهم وضميرهم أو على حساب مصلحة العمل أو المصلحة الوطنية .

      ولا شك أن هؤلاء النفعيين الوصوليين لا يمكن أن ينهضوا لا بوطن ولا بمؤسسة ولا بأمانة , لأنهم لم يكونوا لها أهلا ، ولن يحرصوا على تصعيد الأكفاء ، بل إن نفوسهم في الغالب ستكون مليئة بالحقد على هؤلاء الأكفاء المتميزين ، وسيكونون حريصين كل الحرص على تصعيد الأضعف الذي يدين لهم بالولاء الكامل ، ولا يمكن له أن يراجعهم أو أن يعترض على شيء من تصرفاتهم أو ينتقد عملا من أعمالهم .

       ولعل من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها جماعات الإسلام السياسي هو انخداعها أو خداعها بالمظاهر الشكلية , وحصر الدين في الشكليات , واعتبار الالتزام ببعض الشعائر التعبدية هو أهم مقومات القيادة بل أهم شروطها وموجباتها , فأكثر الناس ولاء للجماعة هو أكثرهم تأهلا لتولي المناصب , فقد تجد من كان بالأمس لا يكاد يحسن شيئًا في دنيا الناس يتولى أمرًا خطيرًا من مقاليد أمورهم , مما لا علاقة له به ولا خبرة له فيه , ولعل ما حدث في وزارة الأوقاف المصرية فور تولي عناصر الجماعة الإرهابية لمقاليد السلطة خير شاهد على ذلك , فقد أتوا بأناس من جهات لا علاقة لها بعمل الأوقاف ولا بإدارتها ولا بفنياتها ليعتلوا أعلى المناصب التنفيذية فيها لمجرد الولاء للجماعة , ولم يكن الأمر قصرًا على الأوقاف وحدها , بل عمت الأخونة كثيرًا من أجهزة الدولة , في سعار مقيت , وشهوة جامحة للسلطة ,  وإقصاء ربما لم يشهد عصرنا الحديث مثله لكل الكفاءات الوطنية المخلصة من خارج أبناء الجماعة , مما عجل بسقوطهم سقوطًا ذريعًا ربما لم يشهد تاريخنا الحديث مثله , وكشف حقيقتهم للعالم كله , مما يجعلنا نؤكد أنها نهاية هذه الجماعة التي تأكد للجميع أنها تاجرت بالدين وزايدت به مزايدة رخيصة , وظلت تخدع الناس زمنا طويلا , حتى كشف الله (عز وجل) أمرهم , وعرف القاصي والداني خبث طويتهم , ولم يعد لهم من موال سوى بقايا النفعيين والمكابرين منهم.

       على أننا ينبغي أن نفيد من كل ذلك بالبعد عن الولاءات الزائفة والكاذبة وغير الشرعية وغير الوطنية , وأن نسند الأمر إلى الأجدر على القيام به , لأن هذه المرحلة لا تحتمل غير القوي الأمين , الحفيظ العليم , الوطني المخلص .

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »